المجتمع المدني في مواجهة سؤال الهوية
رفيق الناويõ
أسهمت
تطورات الأحداث التي أعقبت واقعة وفاة محمد البوعزيزي متأثرا بحروق شهدت على
استفحال الظلم السياسي، في إعادة تداول النقاش حول المجتمع المدني بعد أن طال
الظاهرة حالة جمود بحثي غيب الكثير من الأسئلة المعرفية والإشكاليات النظرية
الضرورية للإسهام في إنضاج التجربة وتصحيح مصائرها.
نميل
إلى الاعتقاد أن مجمل الصعوبات التي يعاني منها هذا المكون السوسيولوجي تعود
بالأساس إلى مدى وعيه بذاته وإدراكه لانتماءاته القيمية والثقافية ونضج هويته
المعرفية والوظيفية.
تزداد
حاجة المجتمع المدني إلى مواجهة سؤال الهوية كلما ازدادت الحاجة المجتمعية في هذا
المفرق التاريخي والسياسي الدقيق إلى أدوار أكثر ريادية يأمنها المجتمع المدني
إسهاما منه في حركة الانبعاث الحضاري للمجتمعات العربية والإسلامية.
لا
يحيذ التعاطي الأكاديمي المنطلق من بحث خطوط التماس بين المجتمع المدني والهوية عن
أرضيات دراسية ثلاث:
1. الدور:
في هذا السياق ينكب البحث على فهم وتحديد الأدوار الممكنة أو الساقطة للمجتمع
المدني فيما يؤسس لمسؤوليته في استكمال تشكل الهوية المجتمعية دفاعا عن أصالتها
وضمانا لندية تفاعلها الثقافي والجمالي والتكاملي مع باقي المكونات الكونية
الأخرى.
2. العلاقة:
يندرج ضمن هذا المبحث انشغال رصد العلاقة بين الهوية والمجتمع المدني، ويعد هذا
المبحث مناسبة للتساؤل عن الوظيفة والتوظيف، وعن التماهي والتنافر، وعن التبعية
والاستقلال لكل منهما عن الآخر.
3. التلازم:
ولما جسدت مجمل الأسئلة السابقة اهتمامات بحثية قافزة عن مراحل التشكل الوجودي
الأولى أو إعادة التشكل الملازمة للفاعل الاجتماعي، تقترح الورقة بحث إشكالية
التلازم بين الهوية والمجتمع المدني.
وتندرج
هذه المحاولة إسهاما في تأسيس مداخل بديلة لتبيئة المجتمع المدني مع فضائه
السوسيوثقافي وتعميق اندراجه في قضايا ومصالح وقيم مجتمعه.
على
أرضية بحث التلازم تبرز الكثير من الأسئلة المقلقة، من قبيل:
_
ما
هي المعالم الهوياتية للمجتمع المدني المغربي؟
_
ما
مدى التلازم الوجودي بين الهوية المغربية ومجتمع مدني (مع حذف ال التعريف)؟
_
ما
موقف المجتمع المدني من سؤال الهوية؟
_
هل
بإمكان المجتمع المدني سد الرثق القائم بين كونية القيم المدافع عنها وخصوصية
القيم المنتمى إليها؟
_
ما
قدرة المجتمع المدني على تأمين الوظائف اللازمة لإنضاج شروط التحول المجتمعي نحو
العدالة الاجتماعية والتنمية الثقافية والسياسية؟
_
هل
المجتمع المدني في وضعية تؤهله لمراجعة منطلقاته الفكرية وإعادة صياغة وجوده وبناء
هوية مشتركة في تجرد عن ميولاته الإيديولوجية وانتماءاته الأثينية والدينية؟
تفيد
القراءة المتأنية لمجمل الخطاب المتمحور حول بحث الموضوع قيد الدرس هيمنة قراءتان:
·
قراءة
انفعالية: ونرصدها
عبر مستويين:
v مستوى
جلد الذات:
بحيث
لا تنفك هذه القراءة عن كيل خطاب غارق في التشاؤمية وعتاب الأنا وإنكار تلاحم الهو
من حيث هو بصفته موجود فاعل بذاته، مما يجعل من حركتها النقدية السلبية المتدمرة
من سلب الهوية مغلقا إضافيا دون إنعتاقها.
مستوى إنكار الذات:
مستوى إنكار الذات:
يتجلى
هذا المستوى في حالات الذوبان في الآخر الغالب والمهيمن خوفا من بطشه ثارة
واستقواءً بتفوقه الحضاري والمدني ثارات أخرى، وهو ما أقره ابن خلدون في مقدمته
حين رصد واقع الأمم المنهزمة.
·
دراسة دغمائية:
تقع هذه القراءة تحت تأثير شديد للجهل المركب
وللنزوع المفرط نحو المصلحة الذاتية التي تبرز النفاق الاجتماعي وإن تطلب الأمر
التصفيق للصفاقة وتبجيل التخلف.
وتتجلى
هذه القراءات في خطابين هيمنا على بحث الموضوع وهما: خيار النفي وخيار الإسقاط.
يتأسس
كل خيار منهما على دعامتين الأولى مفاهيمية، والثانية معرفية.
أولا: خيار النفي
يقوم
هذا الخيار على نفي أي وجود فعلي للمجتمع المدني، وينظر إلى الظاهرة كفلكلور يؤثث
لمشهد سياسي تهيمن عليه تقليدانية مستفحلة.
ü الدعامة المفاهمية:
ينطلق
خيار النفي من تصور مفاهيمي يتمركز حول ثلاث مصطلحات مركزية:
_
المجتمع
المدني: يتصور هذا الخيار المجتمع المدني
كظاهرة محددة في الزمان والمكان غير قابلة للإستيحاء، كما لا يمكن فصلها عن سياقها
المعرفي والسوسيولوجي ناهيك أن هذا الخيار لم يستطع أن يفصل بين الظاهرة في بعديها
الجوهري، وفي حركاتها الاعتبارية، سواء تعبيراتها الخارجية أو الفضاء السياسي
المنشئ لها.
_
الهوية:
يتم التعاطي مع الهوية كحقيقة مغلقة على أصولها الجوهرية الدينية أو الأثينية أو
القومية، ومن تم تغدو الهوية صورة ستاتيكية قرينة للجمود والانغلاق، وهو ما يتماهى
مع الخطاب المعرفي للأستاذ عبد الله العروي الذي نظر إلى الهوية المغربية من زاوية
عدم القدرة على التفاعل، لوجود عائق إيديولوجي (الدين).
_
الحداثة:
نتاج غربي مجمل تعبيراته تتعارض مع الخصوصية الثقافية للمجتمع المغربي في بعديه
الديني والعروبي.
وبالتالي حكم التعاطي مع تعبيرات الحداثة
على رفض الحداثة كبنية وكمكونات (ومن جملتها المجتمع المدني).
ü الدعامة المعرفية:
لكي يستكمل هذا الخيار دفوعاته تبنى
بعض المقولات المعرفية من أهمها مقولة الدولة المستوردة.
فنظام الحكم في تصوره يجسد نمط سلطة تقليدانية
أفرغت الدولة من مضامينها المرتبطة بفلسفة الأنوار والقائمة على رعاية الحريات
وضمان الحقوق وتأمين العدالة الاجتماعية وتحقيق الرفاه الاقتصادي وذلك على أرضية
المشاركة السياسية الفعلية للمواطنين في تدبير شؤون وقضايا الشأن العام، لكي تشحنها
بحمولات تقليدية تنتقص من قيمة المواطن لتجعل منه مجرد رعية عليه واجب الطاعة
والخضوع كما أن الدولة تحولت إلى مؤسسة راعية لدوام السلطة القائمة على كاريزما
الحاكم وإيديولوجية السيطرة.
يصر هذا الخيار على ضرورة توفر شروط
موضوعية وذاتية لكي يتحقق وجود المجتمع المدمي.
- الشروط الموضوعية:
تتوزع الشروط الموضوعية إلى مستويات
أربع:
على المستوى السياسي:
يشترط وجود سلطة سياسية منبثقة عن ديمقراطية تمثيلية تتبنى خيار فصل السلط وتقر
بمبدأ فصل الدين عن السلطة.
على المستوى الحقوقي:
العدالة المبنية على ضمان الحريات وحقوق الإنسان كما تم التعارف عليها عالميا شرط
رئيس لوجود مجتمع مدني فلا مجال لقيام هذا الأخير مع وجود الاستبداد وضياع الحقوق
والحريات.
أما على المستوى الاجتماعي: فبيئة
المجتمع المدني تتأتت من مجتمع يعترف بالاختلاف الفكري والسياسي ويؤمن
بحرية المعتقد ويتجاوز الانتماءات الفرعية القبلية لصالح الانتماء المركزي للدولة.
إن ثقافة الانتماء للدولة مدخل أساس لتعميق
ثقافة المواطنة.
-
الشروط
الذاتية:
أهم الشروط الذاتية، شرط استقلالية
المجتمع المدني، نشأة وتطورا ومسارات، عن كل جهة رسمية أكانت أم غير رسمية. فمن
شأن ذلك أن يرتهنه لأجندات سياسية ولنهايات تتعارض مع وظائفه الأصلية.
وبما
أن هذه الشروط مجتمعة غير متحققة مع تباين منسوب ضعف تحقق كل منها، فإن المجتمع
المدني تبعا لذلك ينتفي شرط وجوده وفقا لهذا الخيار.
الخيار الثاني: خيار الإسقاط/ الاستنساخ.
نتناوله
بدوره من خلال دعامة مفاهيمية وأخرى معرفية.
ü في الدعامة المفاهيمية:
ينطلق
هذا الخيار من مقولة كونية الإنسان وتكاملية التجربة البشرية وعالمية القيم.
المجتمع المدني: يرى هذا
الخيار أن المجتمع المدني يمثل ظاهرة فوق قارية تقدم صورة راقية لتطور البشرية لا
غنى للمجتمعات عن محاكاتها للالتحاق بركب الدولة الحديثة.
الهوية: يقتصر في
تعاطيه مع الهوية على البعد الجوهري لتصبح في تصوره مجرد ادعاء بل تغدو صورة
مغلوطة عن الذات على حد تعبير "داريوس سايغان" صاحب مؤلف "وهم
الحرية" وبما أن الهوية حالة قرينة للجمود وذات نزعة ستاتيكية تعادي التطور
فلا حاجة إليها.
الحداثة: تصبح الحداثة خيار
الشعوب الوحيد للتقدم وسبيله الأوحد للمدنية والتحضر، كما لا يميز هذا الخيار بين
جوهر الحداثة وتجلياتها.
ü الدعامة المعرفية:
ينطلق
خيار الإسقاط من كون كل الشروط الذاتية أو الموضوعية متحققة مع اختلاف في المنسوب
بين دول متقدمة وأخرى سائرة على درب النمو.
وبما
أن المغرب قد حقق أشواطا رائدة في تكريس حقوق الإنسان وفي ضمان الانتقال
الديمقراطي، وفي الاستجابة لمطالب المكونات المجتمعية، والتي من تجلياتها التنصيص
الدستوري على مكانة متقدمة للمجتمع المدني، فإن ذلك مؤشرا قويا على تحقق شروط
الإسقاط.
إن
قوام هذا الخيار أنه من أجل استكمال الصرح
المؤسساتي للدولة الحديثة علينا العمل على استنساخ التجربة الغربية بما في ذلك
تجربة المجتمع المدني والعمل على إسقاط كل تفاصيل هذا المكون لكونه ظاهرة محددة في
الزمان والمكان.
الخيار المقترح: أطروحة التحفظ
تتأسس
أطروحة التحفظ، من منطلق كونها خيارا بحثيا يحتفظ بمسافة كافية بين ذات الباحث
والموضوع المبحوث، على استحالة نفي وجود "مجتمع مدني" بشهادة الوقائع
الاجتماعية وبقرينة انعقاد النفي والإسقاط، كما لا يمكن أن ندعي أن الظاهرة
المسماة مجتمع مدني هي صورة طبق الأصل لما هي عليه في التجربة الغربية، في ذات
الوقت الذي يستحيل فيه تحويل المجتمع المغربي كرحم اصطناعي لاستنساخ "المجتمع
المدني الغربي".
إن
"المجتمع المدني" مشترك لفظي لا يفرض بأية حالة المطابقة أو المماهاة،
كما هو الحال بالنسبة للبرلمان والحكومة والقضاء والتي تمثل مشتركات لفظية بين
الكثير من تجارب العالم تحيل على وحدة في وصف الأبعاد العضوية والمؤسساتية دون أن تعني
وحدة على مستوى المضامين الفلسفية والسياسية والسياقات الاجتماعية والثقافية بين
مختلف مكونات التجربة الإنسانية التي تأبى الإسقاط وترفض تحت مسمى الاختلاف والتعددية
خيار النفي المشترك أو التنكر لإمكانية التفاعل.
إن
تبني أطروحة التحفظ تستدعي مراجعة زوايا التعاطي مع المفاهيم التي تدور في فلك الظاهرة
من قبيل الهوية والحداثة.
الهوية:
مما لا شك فيه أن تمثل الهوية كجوهر يتغذى من الانتماء الديني والأثيني والثقافي، مما
يوهم بعطف الهوية على الجمود، وهو مرتكز خيار النفي، كما أن إلغاء جوهر الهوية
ينتهي إلى تعويمها لتصبح مجرد وهم أمام مقولة عولمة الإنسان مما أفضى إلى تبني
خيار الإسقاط.
إن
الهوية بما أنها ما يؤمن تمايز وتميز الهو من حيث هو عن الآخر لها عمق جوهري يطعم
الوجود المادي للعنصر البشري وليزوده بعمقه الإنساني وبملامحه الثقافية والإنسية.
إن
التميز الذي توفره الهوية هو عنوان التفاعل مع الآخر ومدخل للتبادل الثقافي
وبالتالي تصبح الهوية في أبعادها التطورية أرضية لضمان علائق التكامل الإنساني بما
يسمح بإغناء التجارب المحلية ويرتقي بالجماليات ويزيد من نضج الأنا الجماعية.
يوفر
الموقع الحضاري الذي ترتاده الأمة من هويتها تحديد موقعها الحضاري مقارنة مع باقي
الأمم؛ ففي حالة الهوية المغيبة يمكن الحديث عن الاستيلاب الثقافي ومن تجلياته
تبني خيارات الاستنساخ ليس على مستوى المجتمع المدني بل يطال الأمر الإنسان
ليستحيل إلى مجرد مسخ ثقافي لا انعكاس له في مرآة الثقافة.
أما
في حالة الهوية الغارقة في الأنوية (الذات المنتفخة) فنكون إزاء ردة فعل في مواجهة
الحركة الاستعمارية وتداعياتها الماثلة في مسلسل التغريب وموجات الغزو الثقافي،
مما يجعلنا أما خيار منفصل عن محيطه ومحنط في وهم الدفاع عن هوية ضائعة.
لا
يمكن أن نتصور الهوية إلا كمجموع استجابات وتفاعلات تتغذى من حركة الذات في تماس
الذات الجمعية مع محيطها الرمزي، على أرضية التشبت بالبعد الجوهري للهوية كمشترك
يحفظ للذات أصالتها ويزودها برأس مال رمزي يعزز موقعها في سياق التبادل الثقافي ليغني
التجارب الأخرى من موقع اغتناءه بها من موقع الندية الحضارية.
إن
المجتمع المدني وفق تعريف البنك الدولي تعبير عن مصالح وقيم أعضائه استنادا إلى
اعتبارات أخلاقية وثقافية وسياسية ودينية،
مما يجعل منه وفق التحديد الدولي لازمة تأسيسية لهوية منفتحة على الآخر شديدة
الارتباط بمكوناتها الحضارية ومنظوماتها القيمية المشتركة.
الحداثة:
كذلك نتصور الحداثة كسيرورة ثقافية وكجوهر مؤسس للإنعتاق من معيقات التطور الحضاري
سواء في بعده السياسي (هيمنة ايديولوجيا الاخضاع) أو في بعده
الاقتصادي (استفحال نظام الريع) أو الثقافي (مركبات الاحباط) تستدعي المجتمع
المدني المغربي ليأخذ موقعه من هذه البنية، بهذا المعنى تصبح الحداثة دينامية
اجتماعية محفزة لحركات الانعتاق ولتطلعات التنمية، قادرة على إنجاح عملية الخروج
من فضاء الرعايا إلى واقع المواطنة.
عبر
مراجعة زاوية التعاطي المفاهيمي مع المقولات المركزية السالفة البحث تقترح أطروحة
التحفظ مواجهة سؤال تأسيسي مفاده؛ هل استطاعت مكونات المجتمع المدني في المغرب أن
تعيش حداثتها؟ وهل تمكنت من امتلاك القدرة على تصحيح المسارات السوسيوسياسية المنحرفة
والمستشرية في شتى صور الحياة العامة والتي يتفق الكل على أنها تنتج مظاهر مأزومة
سياسيا واجتماعيا وثقافيا؟ وهل استطاعت الانخراط في زمن التحول لتجاوز معيقات
الانبعاث السياسي في اتجاه بلورة ملامح أكثر نضجا لحراك اجتماعي واسع إيذانا بدخول
المغرب الفضاءات المطالبة بالعدالة السياسية والحكامة الاجتماعية والتنمية
الحقوقية الشاملة؟
تمثل
هذه التساؤلات مجموعة أدوار ووظائف شاغرة دونها أولويات الحسم الاستعجالي في هوية
المجتمع المدني نحو صياغة نموذج مثالي يترفع عن السياساوي والاثني والديني في بعده
المذهبي الغارق في الايديولوجيا بغاية بناء الهوية المنفتحة على قاعدة المشترك
الجمعي؟
يمر
افراز مجتمع مدني مغربي منخرط في زمن التغيير الديمقراطي عبر أداء وظيفي قوامه
التأسيس لمدنية الحراك الاجتماعي المنتظر ومن اهم مداخله:
ü
إحداث
تفاعلات ثقافية وقيمية للرفع من دينامية الحراك الاجتماعي بما يسمح بانضاج مقولاته
وحبك مطالبه على أرضية الواقعية السياسية وفي إطار الثوابت الكبرى.
ü
الارتقاء
بالمجتمع المدني المغربي إلى مستوى المصنع الاجتماعي لإنتاج المواطنة الحقيقية.
ü
الخروج
من حالات التمزق الناتجة عن دينيونة الكثير من مكوناته لمصالح فئوية إثنية وسياسية
ودينية إلى حالة الكينونة الاجتماعية التي تجعل من المجتمع المدني فاعلا اجتماعيا
معرّفا بهويته الجمعية وبمطالبه المشتركة.
كان
من تداعيات الأحداث الإقليمية أن دفعت رياحها بالأشرعة الممزقة لمكونات مجتمع مدني
إلى ممارسة ضغط سياسي إستمد كثيرا من مظاهر اندفاعه على تسونامي الحراك العربي،
مما يجعله ضغطا منقوصا لتبعيته تقدما وتخلفا لمجريات تلك الأحداث وانعراجاتها.
تزامنت
الشهور النضالية الأولى لحركة 20 فبراير مع جني أولى ثمار» الربيع العربي« بهروب بن علي وتنحي مبارك، وهو ما انعكس ايجابا على مضامين الخطاب
الملكي المتفاعل استباقيا مع تلك الاحداث، من خلال تضمنه على الكثير من المقتضيات
الحداثية الراقية والقائمة على إرادة واضحة لدمقرطة ممارسات السلطة.
وبعد مرور حوالي أربعة أشهر تم الاستفتاء على دستور لم تنجح الكثير من
مضامين خطاب 9 مارس من النفاذ إلى ثناياه الحمالة لأوجه – وفق التعبير الضريفي_.
إن ما قد يساهم في تفسير تراجع
نظام الحكم على دسترة مضامين خطاب 9 مارس حسن توظيفه للبوادر السلبية لتطورات
الاحداث في كل من ليبيا واليمن وسوريا على وقع الاحداث الدامية ودوامة العنف
المتصاعدة. تركت تلك الاحداث انطباعات سلبية لدى جمهور 20 فبراير حول مآلات » الربيع العربي«
وتداعياته على المستوى الوطني مما أضعف من وهج الحراك من جهة وقدم تطمينات نفسية
حقيقية للأنظمة التي استبقت الاحداث بالاعلان عن إصلاحات سياسية تجنبا لضرائب
أكبر. في هذا السياق الملتبس وعلى وقع ضعف القاعدة الاجتماعية الحاضنة ل 20 فبراير
من جهة ومن منطلق عدم نضج مكونات المجتمع المدني بما يكفي لتعبئة فئات اجتماعية
أوسع تغيرت موازين القوى لصالح نظام الحكم وهو ما انعكس على نص الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.
إذا حق لنا اعتبار دستور 2011
تراجعا عن مضامين خطاب 9 مارس وبطبيعة البنية اللغوية الفضفاضة لذاك الدستور، يحق
لنا كذلك أن نؤيد موقف الاستاذ محمد ضريف المستند على حيتية التأويل الدستوري الذي
بدوره سيكون تعبيرا عن موازين قوى جديدة إما ان تنتصر للتأويل الديمقراطي الذي
يرتقي بمقتضيات الدستور إلى أرقى معانيها أو يعكس هيمنة القوى المستفيدة من الوضع
الحالي ويكرس التأويل المحافظ للدستور ليصل بمضامينه إلى المعاني الأكثر رجعية.
ينتهي بنا ذلك إلى التساؤل حول مدى
أصالة المجتمع المدني للإنتصار للتأويل الديمقراطي لستور 2011؟ وهل مخاضات التحول
في المغرب تعبر عن تحول حقيقي في بنية ودور المجتمع المدني في اتجاه انضاح ملامح
هويته أمأنها إيذانا بإقباره؟
إن مصائر المجتمع المدني غدا
محكومة بوظائفه اليوم.
¯رفيق
الناوي
دكتور باحث في علم
السياسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق